الفرحة الأخيرة في الحديقة
في الثاني من أيار الماضي، عاشت مدينة تعز فاجعة أيقظت مواجع نساء المدينة التي ترزح تحت ويلات الحرب، حينها ربما لم يكن في ذهن “آية الشميري” سوى نزهة متواضعة في حديقة تفتقر لأبسط مقوّمات الترفيه التي تضمن للمرأة شيئا من الأمان المفقود في كل زوايا البلد الكسيح.
لم تكن تعلم آية أن الفرحة الأخيرة لها قد تتحول إلى أحزان ترصّدت ذويها ومدينة بأكملها، وصعدت روح آية إلى السماء نتيجة سقوطها من فوق لعبة الساعة في أحد حدائق مدينة تعز اثناء ما كانت مع اسرته لقضاء نزهة عيد الفطر، وبسبب تأخر اسعافها دخلت أية بموت سريري نتيجة النزيف الداخلي مما أدى إلى وفاتها ،
ظلت الفاجعة تراود كثيرا من النساء، خشية أن يلقين مصير آية، في ظل إهمال وغياب دور السلطات المختصة في مدينة تعز أو في معظم المدن اليمنية.
تراجع مؤلم
شهدت المتنزهات والحدائق في اليمن تراجعا كبيرا نتيجة استمرار الحرب الدائرة بين القوات الحكومية ومقاتلي جماعة الحوثي منذ ثمانية أعوام، الأمر الذي انعكس سلبا على حياة المرأة اليمنية التي تعاني من آثار نفسية وجسدية فاقمت من أوضاع النساء في اليمن.
“أم أسامة” تقضي فترة العيد في زيارة الأهل أو البقاء في المنزل، بعد وصولها إلى قناعة تامة أنه لا توجد أماكن مناسبة للخروج، إلا حديقة أو اثنتين لا أكثر، ومع ذلك لا تلبي الشيء البسيط من احتياجها للترفيه الآمن.
وتقول “أم أسامة” إنها خلال فترة الحرب لم تحاول الصعود إلى الألعاب في تلك الحدائق، وتكتفي بأخذ أطفالها إلى الألعاب التي تشعر أنها أكثر أمانا، فتشرح: “أسمح لأطفالي بممارسة الألعاب مثل السيارات والحصان والمسبح والألعاب المنخفضة التي ليس فيها خطورة”.
وتؤكد أنّها لا تسمح لنفسها أو أطفالها باللعب بالألعاب المرتفعة مثل الطائرة؛ لأنها تعتقد أنها خطرة وغير آمنة، وغالبًا ما تكون الألعاب مليئة بالصدأ. وترى “أم أسامة” أن الازدحام في الحدائق هي المشكلة الكبرى أمامها، فهي لا تجد مكانا تجلس فيه أحيانا وإن توفر مكان، فهو غير مناسب ولا توجد فيها مظلات واقية من حرارة الشمس، وتصفها بأنها جلسة مزعجة، لذلك تضطر مع قريباتها إلى افتراش الأرض في مكان لا تصل إليه أشعة الشمس.
نساء الحديقة
لم يتوقف الأمر عند قصة آية، فقد تكرّرت أحداث مماثلة، إلا أنه كان للقدر قرار آخر فلم يسمح بوقوع الكارثة، ففي الخامس من أيار 2022م، تعطلت إحدى الألعاب في حديقة خاصة بتعز، وكان على متنها مجموعة من النساء واستمرت قرابة خمسة عشر دقيقة في الجو، وأحدثت القصة حينها ضجة في مواقع التواصل الاجتماعي.
ندى محمد في أحد جروبات تطبيق الفيس بوك أكدت أنها شاهدت لحظة تعطل اللعبة، حيث قالت “من كانت اليوم في هاي لاند لما علقت لعبة الساعة اقسم بالله قلبي وقف والبنات معلقات فوق، وظل قلبي يدق لمن نزلت وشعرت بالارتياح”.
ورغم تلك المآسي، ما يزال النساء يبحثن عن ثغرة للعبور نحو الفرحة التي لا يشوبها ألم أو فاجعة، ويقابل ذلك غياب شبه تام لمكتب السياحة أو الجهات المعنية بشؤون المرأة سوى الرسمية أو العاملة في المجتمع المدني، في تنظيم أعمال تهتم بالمساحات الآمنة والحدائق المخصصة للنساء.
وعما إذا كانت الحدائق وأماكن الترفيه مؤهّلة وتحقّق الأمان للنساء، ترى كثير من النسوة أن الخروج إلى الحديقة أو أي متنفس لا يخلو من الخوف بسبب سوء تلك الأماكن، ومع غياب الأمان، ما زلن يبحثن عن زوايا الحياة التي تكاد تكون مفقودة.
فيما يعتقد بعضهن أن الذهاب إلى الألعاب المتهالكة مخاطرة قد تودي بحياتهن في ظل غياب المتابعة والصيانة والرقابة من القائمين على المتنزهات أو السلطات المحلية.
الفعاليات المختلفة أضحت فرصة تستثمرها كثير من الأسر، وخصوصا النساء، في محافظات مثل عدن وتعز وحضرموت، وتتمثل في المهرجانات الفنية الغنائية التي تكون غالبًا في الأعياد والمناسبات الدينية والوطنية والاجتماعية والثقافية، إلا أنها لا تخلو من التهديدات والتحريض.
ففي محافظة تعز في 11 تموز الجاري تحديدا، سقطت قذيفتان بجوار ملعب الشهداء أطلقها الحوثيون المحاصرون للمدينة، بحسب رواية الأجهزة الأمنية، أثناء إقامة مهرجان تعز الغنائي الخامس، وذلك بحضور حشد جماهيري كبير مثّل النساء 70% منه، مما اضطر شرطة المدينة إلى إلغاء المهرجان حفاظًا على أرواح الناس واستئنافه اليوم التالي.
وتشير تقارير حقوقية محليّة ودولية إلى أن النساء في اليمن هنّ أكثر الفئات تضررًا من الحرب، وأنهن يفتقدن أبسط مقومات الحماية أو الرعاية في شتّى جوانب الحياة، وأصبحت حياة أغلبهن أشدّ إيلاما مع انعدام المساحات الآمنة في معظم المدن اليمنية، وتعيش واقعا مريرا تخلق من ساحة حرب متعددة الأوجه.