المشغولات اليدوية|صِنعة المرأة وصديقة البيئة الفريدة في سقطرى
اعتادت أن تغزل السعف بتلك الرشاقة المتناهية في كل صباح وكل مساء من كل يوم، والوقت الذي تستغرقه في كل قطعة يعتمد على حجم وشكل المنتج ونوع الحياكة المطلوبة، ففيما يكون اليوم الواحد كافيا لتنتهي من مُنتج ما، قد تقضي في صناعة آخر عدة أيام، على الرغم من إدراكها جيدا بأنها لن تجني منه سوى نزر يسير من المال…
تعمل أروى، إحدى نساء محافظة أرخبيل سقطرى، صباحَ مساءَ في حياكة سعف النخيل. بدأت الشابة الثلاثينية الحرفة اليدوية هذه تحت أنظار والدتها منذ أن كانت لا تزال يافعة، حالها في ذلك حال معظم فتيات قريتها الساحلية “خور سرهن[L1] ” الواقعة على بعد اثنين كيلومتر شرق العاصمة حديبو والمتميزة بكثافة أشجار النخيل.
أروى اليوم من الحرفيات الماهرات في قريتها الصغيرة، وربما تكون على مستوى الجزيرة كلها. إنها بارعة في صناعة كل ما يمكن صنعه من الأغصان الرفيعة للنخيل كالمقتنيات التقليدية التراثية، كما تبتكر آوانٍ تحاكي الأواني البلاستيكية والمعدنية القادمة عبر البحر.
اعتادت أن تغزل السعف بتلك الرشاقة المتناهية في كل صباح وكل مساء من كل يوم، والوقت الذي تستغرقه في كل قطعة يعتمد على حجم وشكل المنتج ونوع الحياكة المطلوبة، ففيما يكون اليوم الواحد كافيا لتنتهي من مُنتج ما، قد تقضي في صناعة آخر عدة أيام، على الرغم من إدراكها جيدا بأنها لن تجني منه سوى نزر يسير من المال.
“هذه حرفة تراثية قديمة تناقلتها نساء الجزيرة جيلا بعد جيل، وسوف نحرص على أن لا تتوقف عندنا. إنها شيء من أثر الأجداد قبل أن تكون مهنة لكسب المال”. تقول أروى لـ”انسيج”.
أصل القصَّة
المجتمع السقطري مجتمع محافظ، ويُبدي ممانعة عندما يتعلق الأمر بمشاركة النساء في أنشطة مختلطة بما فيها التعليم، ومع ذلك تظل المرأة السقطرية، لا سيما الريفية، عاملة بطبعها، وذات حضور ملحوظ في بعض المهن كالرعي والزراعة،والأهم من هذا المشغولات والحرف اليدوية التراثية التي تعتبر مهنا نسائية بحتة.
لكن يبقى الإلهام، هنا، في إنشاء هؤلاء النساء كيانا مبتكرا كان له الفضل في تنظيم وتطوير هذه المهنة، بل “إنه عمل قبل ذلك على لمّ شمل المنخرطات في صناعة الحصير تحت معمل واحد، بعدما كنا نعمل بشكل منفرد، كل واحده داخل منزلها”، بحسب تعبير أروى.
كانت البداية في مارس/آذار 2018 عندما بادرت فاطمة عبدالله، إلى تأسيس جمعية المرأة الساحلية للحرف والأعمال اليدوية في قرية “خور سرهين”، وخلال الثلاث سنوات الماضية عملت الجمعية، برئاسة فاطمة عبد الله، على تعريف النساء العاملات في مجال الحرف اليدوية بعضهن ببعض، وحشدت منتجاتهن في مكان واحد للتسويق لها وبيعها، مقابل نسبة بسيطة تؤخذ لصالح تطوير الجمعية.
قالت عبد الله لـ”نسيج”: “استفادت النساء في الجمعية جوانب كثيرة، منها إراحتهن من متاعب الذهاب إلى السوق لبيع المنتجات، تبادل الخبرات، تطوير وتوسيع مهارتهن، فقد تعلمنَ خياطة الملابس بأنواعها”.
يتجاوز اليوم عدد عضوات الجمعية اليوم المئة، بحسب الرئيسة فاطمة، وتقول إنهن يعملن من دون كلل في رفد معرض الجمعية بمختلف المنتجات، وحتى تضمن حقوق الجميع، فهي تُسمي كل عضوة برقم مختلف يُكتب على خرقة قماش صغيرة ويُلصق فوق كل ما تنتجه.
مشقّة الفخار
في منطقة “معنوفة” على الجانب الآخر من حديبو العاصمة، أسّست نساء أخريات جمعية لتنظيم الحرفة الشائعة بكثرة هناك: صناعة الفخاريات. وتشتهر معنوفة، وتحديدا قرية “دلفدهن” القريبة من سلسلة جبال حجهر الأطول على الإطلاق في سقطرى، بوجود التربة الطينية الحمراء المثالية لصناعة الأواني الفخارية، السبب الذي جعل هذه الصناعة جزءًا من هوية القرية.
قالت منيرة سوياد، عضوة في “جمعية دلفدهن للفخاريات” لـ”نسيج”: “التربة الموجودة هناك أسفل جبل حجهر هي أجود تربة لصناعة الفخاريات على مستوى سقطرى. إننا نعتبرها نعمة إلهية وُهبت لنا، ونتعامل معها على هذا الأساس”.
صناعة الفخاريات بأنواعها تمرّ في سقطرى بالمراحل نفسها المتبعة في باقي مناطق اليمن، بدءا بجلب التربة وعجنها بالمياه، مرورا بتشكيل الأواني وعرضها على الشمس قبل حرقها بالنار، لكن المختلف هو أن مسحوق شجرة “دم الأخوين” المغلي ينوب هنا عن الطلاء.
“نأخذ مسحوق دم الأخوين الأحمر ونخلطه مع الماء، ثم نتركه فوق النار حتى يغلي، بعدها نضع العجينة وهي ساخنة داخل قطعة قماش، ونرسم على الوعاء ليصبح جميلا كما ترى. يجب أن يكون الوعاء والعجينة ساخنين حتى يكون اللون واضحا”، بحسب “سوياد”.
الناشط الشبابي السقطري سعد عبد السلام قال لـ”نسيج”:”إن الجمعية هي حاليا ليست سوى اسم تجتمع تحتَ ظلّه تلك العاملات، وليس معهم مبنى أو معمل خاص، فكل امرأة تشتغل في بيتها ويجتمعن الصباح، كل واحدة بما أنتجت للذهاب بها إلى السوق”.
تحمل النساء الأواني على رؤوسهن كل صباح إلى سوق العاصمة الواقع على بعد 7 كيلو متر لأجل بيعها هناك. يتطلّب الأمر المشي على الأقدام لساعتين تقريباً، ثم الجلوس وسط السوق بلا وقاية من حرارة الشمس والغبار، ليتعيّن عليهن فيكل ظهيرة خوض رحلة العودة: المشي ساعتين والأثقال على رؤوسهن.
وتتكبّد النساء هذا العناء اليومي كما قالت منيرة سوياد “لأنّ ما يقارب من 40 أسرة في قرية دالفدهن تعتمد على ما تُدخله من مبيعات الفخار، ولا يوجد لها أي مصدر آخر للدخل، لهذا نتمنى الحصول على الدعم بأدوات تسهل علينا عملية الصناعة والدعم أيضاً بوسيلة لنقل البضاعة من هنا والى السوق”.
صديقة للبيئة
المنتجات الفخارية وتلك المصنوعة من سعف النخيل، على السواء، من المقتنيات التي يحرص زوار سقطرى، العرب والأجانب، على أن لا يغادروا من دونها، غير أن قيمتها تتعدى ذلك بوصفها “صحية للغاية، وهي أيضا صديقة للبيئة، ولا يشكل رميها أو مخلفاتها ضرراً على البيئة”. وفقا لمنصة “حلم أخضر” المختصة بالبيئة.
تتضاعف الحاجة إلى اقتصار السكان السقطريين على استعمال هذه الأواني على حساب الأخرى البلاستيكية والنحاسية، بسبب البيئة السقطرية الحساسة للتلوث، حتى إن الجزيرة أدرجت مؤخرا في قائمة الصندوق العالمي للمواقع الأهم في العالم والمهددة بالانقراض لعام 2022.
“البلاستيك بطيء التحلل ويشكل خطرا على البيئة سيما البيئة السقطري”، أكد الناشط سعد عبد السلام، وتابع قائلا: “يزداد الأمر سوءا بعدم وجود المصانع والعاملين في إعادة تدوير البلاستيك هذه المخلفات”.
وعلاوة على ذلك فـ”انتشارها في سقطرى بكميات مخيفة نتيجة للاستهلاك الزائد للمنتجات المغلفة بالبلاستيك، يؤدي إلى تشويه الطبيعة السقطرية والسواحل والمحميات نتيجة الرمي العشوائي لها”، تبعا لقول عبد السلام.