ونحن نفتّش بين أوراق سجلّات لقاحاتِ كوفيد-19 في مستشفى “الدرّة”، بعد تجاوزنا الزِّحام على بوابة المشفى المليء بالرجال -من دون النساء- المتهافتين من دوربٍ شتّى لأخذ جرعات التلقيح، تمكّنا من الدخول إلى غرفة المدير بعد البحث بين زوايا المشفى الذي يفتقر إلى أبسط المقومات التي تُبقيه على قيد الحياة، لتقديم الرعاية الصحيّة؛ لأنه مشفى ريفي لا يجد الاهتمام، كما أكدت الدكتورة “أمرية نعمان” وهي مسؤول إدارة التحصين، بقولها: “النساء مضطهدات في كلِّ الأحوال، والمراكز الصحية أو المستشفيات الريفيّة قلَّ أن تجد الاهتمام فيها، وذلك بسبب الإهمال المتعمّد لأنها في الأرياف، بالرغم من أنها تقدِّم خدماتها للنساء على وجه الخصوص”.

وواصلت نعمان حديثها: “لا أخفيك أنّ التمييز ضد النساء حاصلٌ في كل مكان، حتى إنني وزميلاتي هنا في القسم (إدارة التحصين) نعمل بكلَّ جهد خارج دوامنا الرسمي من دون أدنى مكافآت، في ظل غياب تام للأطباء (تقصد الرجال) إلى جانبنا؛ لأن العمل تطوعي وبدون مقابل، في أيام تقديم التلقيح ضد كورونا للمتوافدين على القسم”.
فتّشنا كثيرًا في أوراق سجلّات اللقاحات، فوجدناها خاوية من أسماء النساء، إلّا من بضعِ نسوةٍ تزيّن أوراق السجلّات، مكتوبٌ أمام أسمائهنّ في خانة تحديد نوع الجنسِ “انثى”، مثل “إنتصار”، وهي واحدة من بين عشرات الرجال، على الصفحة الواحدة في السجل.

وتحدَّث الدكتور أحمد حاشد البريهي مدير مستشفى “الدرّة”، بقوله: “في بداية الأمر، أثناء لقاحات جونسون، كان التسجيل برابط عبر المنصة الإلكترونية، ومن الصعب جدًا أن يصل إلى النساء في الريف؛ لأنهن يفتقرنَ الى أبسط الإمكانيات، ويُعتبرنَ خارج نطاق التطور التكنولوجي، وذلك بسبب الحياة التقليدية التي تعيشها المجتمعات في أرياف اليمن”.
وكان لِبُعد مراكز لقاحات كوفيد-19 في الأرياف دورٌ أيضًا في احتكار اللقاحات للرجال من دون النساء، “فقد كانت تكاليف أجرة المواصلات إلى هذه المراكز تتراوح أحيانًا بين 50–100 ألف ريال (50–100 دولار)، مما يضطر ربّ الأسرة إلى ترك الأسرة معرّضة لخطر الإصابة بكورونا، لعدم مقدرته على دفع التكاليف” هكذا تحدَّث الدكتور البريهي.

ورجّح البريهي أن تكون العوامل اجتماعية، أيضًا، نتيجة الثقافة التي تتحكم بالمجتمعات الريفيّة، وقد تابع حديثه، قائلًا: “عدم وجود محرم عند ذهاب المرأة إلى المستشفى لأخذ لقاح كورونا، أحد الأسباب التي جعلت النساء يعزفنَ عن مراكز التلقيح”. وواصل الدكتور حديثه: “تعلم أنَّ المجتمعات الريفيّة، تقدِّس العادات والتقاليد، أكثر من اهتمامها بصحة المرأة، ولا شك أنَّ النساء الريفيّات يتحملنَ الجزء الأكبر من العناء والمتاعب نتيجة تلك الموروثات”.