جرائم العنف ظواهر منتشرة في اليمن والضحية دائمًا المرأة
تقول إحداهن: “كلما ازداد أطراف النزاع في اليمن إصرارًا على مواصلة الحرب، زاد إصرارنا على نيل حقوقنا، ولا شيء يضاهي قدرتنا على التغلّب على الصعاب، فنحن حين نحارب لنيل حقوقنا، وكلّ من يريد أن يسطو عليها، فذلك محض عبث، رغم أن العنف الذي يمارس ضد المرأة في اليمن يستظل ويحتمي بنصوص قانونية، بل إنه حين تموت المرأة، يظلّ الظلم في القانون يلاحقها، ليجعل من ديّتها نصف دية الرجل! وهذا ما نصت عليه المادة (41) من قانون الجرائم والعقوبات في القانون اليمني.
في تقرير صادر عن مؤسسة “أكون” للحقوق والحريات في مدينة عدن، جاء أن نسبة النساء اللواتي تعرضن للعنف والضرب الأسري في مدينة عدن، وهو من الزوج في المرتبة الأولى ومن الأخ في المرتبة الثانية، يقارب 90%، وبلغت نسبة النساء اللواتي تعرضن للاغتصاب خلال فترة الحرب وفترة ما قبل الحرب ما يقارب 50%، فيما بلغت نسبة قضايا الطلاق والنفقة 80%، ومن ضمنها القضايا المعلقة، وبلغت نسبة للنساء اللواتي تعرضن للنصب والانتهاك من قبل الزوج وأهله 60%، وبلغت نسبة التحرش والانتهاك والتميز بين المرأة والرجل في مرافق العمل 70%، يضاف إلى ذلك نسبة النساء اللواتي يعانين من المشاكل في مجال العمل، وبلغت نسبة تعرّض المرأة للانتهاك من الأهل بالحرمان من التعليم وعدم ترك الحرية لها للاختيار في حياتها سواء على الصعيد العملي أو الأسري 60%، وبلغت نسبة النساء اللواتي تعرضن للحرمان من الإرث 40%، وبلغت نسبة النساء اللواتي لديهن قضايا إثبات نسب لأولادهن من طلقتين بنكران أبنائهم 30%، وبلغت نسبة الفتيات اللواتي تعرضن للتحرش الجنسي في المدارس ما يقارب 80%، وقد يكون هذا الانتهاك لفظيا أو حسيا أو من خلال التعامل مع الفتيات وظلمهن في مواد التدريس، بحسب ما جاء في التقرير، وفي جلسات الاستماع البؤرية المغلقة التي نفذتها مؤسسة “أكون” للحقوق والحريات على مدى أسبوع لنساء تعرضن للعنف في مدينة عدن، خرجت هذه الجلسات بأهم وأبرز الانتهاكات التي تتعرّض لها المرأة بشكل دائم، أهمها العنف الأسـري ومصادرة حقّها في الإرث في بعض الأماكن (حرمانها من الميراث) والختان وتزويج الفتيات في سن مبكر (زواج القاصرات) وحرمانها من التعليم في القرى وأيضا في بعض المدن، وهذا كلّه يرجع إلى أسباب عدّة، أهمها قلة الوعي لدي النساء لعدم وجود جهة تعمل على دعمهن وتثقفهن.
الزواج المبكر وتسلّط الأهل والأقارب على المرأة وعدم مساواة المرأة بالرجل من جهة الحقوق والواجبات، ومن الأسباب الاقتصادية الفقر، فهو أحد أهم الأسباب التي تؤدي إلى انتهاك حق المرأة والبطالة والوضع المتدهور الذي تعيشه اليمن منذ عام 2011م والانفلات الأمني وإغلاق أقسام الشرط والمحاكم وانشغال الدولة وأجهزتها ومؤسساتها ومرافقها بمجالات أخرى وإهمال المرأة وحقوقها.
هذا التحقيق هو البداية لتحريك المياه الراكدة نحو مناهضة العنف القائم على المرأة بتعميم ثقافة المساواة وحقوق الإنسان والديمقراطية، والضاغط على الحكومة لتعديل القوانين المُجحفة بحق المرأة، كانت البداية مع أ. فاطمة مريسي رئيسة اتحاد نساء اليمن فرع عدن؛ إذ قالت: للعنف ضد المرأة أشكال كثيرة، أهمها العنف الجسدي والجنسي والنفسي، ويشمل عنف العشير (الضرب، الإساءة النفسية، الاغتصاب الزوجي، قتل النساء)؛ العنف والمضايقات الجنسية (الاغتصاب، الأفعال الجنسية القسرية، التحرش الجنسي غير المرغوب فيه، الاعتداء الجنسي على الأطفال، الزواج القسري، التحرش في الشوارع، الملاحقة، المضايقة الإلكترونية، الاتجار بالبشر (العبودية، الاستغلال الجنسي)، تشويه الأعضاء التناسلية للإناث، وأضافت قائلة: إن ظاهرة العنف تفشت بشكل كبير بعد حرب عام 2015م، وذلك لعدة أسباب، أهمها استمرار الحرب وغياب الأمن، مما ترتب على ذلك أذى ومعاناة للمرأة، سواء من الناحية الجسمانية أم الجنسية أم النفسية. ومحاربة ظاهرة العنف أمر ممكن، ويبدأ بتوعية وتثقيف الأسرة والمجتمع حول المخاطر التي تسببها، واعتماد نهج شامل لمعالجة الأسباب الجذرية لهذه الظاهرة، وإتاحة الخدمات الأساسية التي تركز على الناجيات من العنف عبر قطاعات الشرطة والعدالة والصحة والقطاعات الاجتماعية، وتوفير التمويل الكافي للجهود المبذولة في مناهضة العنف القائم على المرأة ومحاولة تغير النظرة الدونية للمرأة عن طريق إخراجها من الدور السلبي إلى الإيجابي.
وهناك خدمات كثيرة يقدمها اتحاد نساء اليمن فرع عدن بالنسبة للنساء المعنفات، ولكل امرأة بحسب احتياجها ومن دون أي تمييز، وذلك عن طريق فريق عمل مؤهل ومدرب لهذا الغرض، ومن أهم الخدمات التي يقدمها الاتحاد: الدعم القانوني والاستشارات القانونية، الدعم النفسي والاجتماعي، الدعم الصحي، التمكين الاقتصادي والتدريب، وأخيرا أنشئت دار للتدريب والتأهيل، وهي الوحيدة في محافظة عدن التي تقدم للمعنّفات النزيلات جميع الخدمات منذ دخولهن إليه إلى أن يُعدن إلى أسرهن بعد تقديم كل أشكال الدعم والمساندة لهن.
وبالنسبة لتدخلات الاتحاد الميدانية، شُكّل فريق عمل لإدارة الحالة وفريق رصد على مستوى مديريات محافظة عدن، واقتصر عمل الفريق للإبلاغ عن حالات العنف في المديريات بتخصيص خط ساخن جُهّز لهذا الغرض، وكذا بعمليات الرصد والبلاغات، ولدينا قاعدة بيانات لرصد الانتهاكات، وهذا عزّز الدور الإيجابي للاتحاد، ونحن مستمرون في تقديم خدماتنا وتقييمها وقياس الأثر على مستوى المجتمع المحلي من أجل القضاء على العنف ضد النساء.
ويرى الإعلامي محروس باحسين من محافظة حضرموت أن ظاهرة العنف تفشت بشكل كبير في الفترة الأخيرة، وهذا أثر بشكل كبير على المرأة باعتبارها الحلقة الأضعف في المجتمع، وجعلها في حزن دائم، وتفضل المكوث في البيت، وعلى سبيل المثال في محافظة حضرموت شرق اليمن، بحسب تصريحات رئيسة اتحاد نساء اليمن فرع الساحل، هناك نحو 80 حالة عنف سنويا في المحافظة.
وأضاف قائلا: المجتمع اليمني مجتمع محافظ وتحكمه عادات وتقاليد، وكلها ترفض عمل المرأة وتؤيد حرمانها من استكمال الدراسة، وتُزوّجها قاصرة، وعليها أحيانا أن تتحمل أعباء ومسؤوليات البيت وهي في العاشرة من العمر، ومن أبرز أشكال العنف ضد المرأة في اليمن حرمانها من الميراث من دون أي موانع شرعية، وأخيرا تختلف حدة العنف من محافظة إلى أخرى لعدة أسباب، أهمها مستوى التعليم؛ فالمحافظات التي تكون نسبة التعليم فيها كبيرة، يقل فيها العنف، وذلك بالمقارنة بالمحافظات التي نسبة التعليم فيها ضئيلة.
ويذهب الصحفي اليمني بديع سلطان إلى أن العنف ضد المرأة نابع من النظرة الخاطئة تجاهها وتصويرها بأنها كائن ضعيف. ولهذا يُمارَس العنف ضدها؛ لإدراك القائم بعملية التعنيف أنها لن تُقاوَم ولن تواجهه، لكن إذا تعلمت المرأة وأُهّلت، وتمكنت من توظيف قدراتها ومهاراتها وإمكانياتها الاقتصادية والفكرية، وعرفت حقوقها وواجباتها عندها، فإنه يمكن لها أن تدافع عن نفسها، وأن تسهم هي بذاتها في الحد من ظاهرة العنف ضدها؛ فالتعليم والتأهيل والتمكين يمنحها قوة ويعطي المرأة صلابة ويجعلها مشاركة فاعلة في المجتمع.
تقول المهندسة عبير اليوسفي مدير الشؤون الهندسية بوكالة الأنباء اليمنية عدن ورئيسة جمعية أطفال عدن للتوحد: “الكل يعلم أن المرأة نصف المجتمع، ويقع على عاتقها عبء كبير في تنمية المجتمع، بالإضافة إلى القيام بالتزاماتها الأسرية المتعارف عليها، وأخصّ بالذكر تربية الأبناء؛ فإذا تعرضت إلى عنف سواء أكان أسريا ناتجا عن إساءة في المعاملة من الزوج، انعكس ذلك سلبا في تربية الأبناء نتيجة مشاهدتهم لأمهاتهم، وهن يتعرضن للعنف مما ينعكس عليهم سلبا، وعندما يكبرون يصبح العنف ثقافة بالنسبة لهم، ويُحدث لهم ذلك نوعا من الاختلال النفسي، ويؤدي إلى ظهور جيل يتعامل بسلبية، ويعاني من عقد نفسية خطيرة، وتعود الدائرة إلى نقطة البداية”، وتضيف أن هناك أعباء كبيرة تتحملها المرأة، أهمها مشاركتها الرجل في توفير لقمة العيش؛ فهي تعمل داخل المنزل وخارجه، وإحساسها بالإساءة عندما تتعرض لعنف من أي نوع مثل سوء المعاملة والضرب أو الإساءة بالكلمات من الأسرة أو الآباء أو الأزواج وأحيانا الأبناء، ناهيك عن تعرّض للمرأة للتحرش الجنسي خارج منزلها، وهو ما ظهر بشكل كبير في مجتمعنا نتيجة لعدد من الظروف، ومنها الحرب والنزوح والظروف الاقتصادية، وهذا يجعلها تحس أن كرماتها امتهنت، وأخيرا نتمنى أن تكون هناك توعية مجتمعية من المبادرات الشبابية وأئمة المساجد للتذكير بأهمية المرأة وتوصية رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بها عندما أوصى الولد بأمه (أمك ثم أمك ثم أمك)، وفي حديثه آخر قال: (رفقا بالقوارير)”.
ومن جانبها، تقول هناء ناجي مديرة مؤسسة رموز التنموية للصم: “عندما نتحدث عن ظاهرة العنف ضد المرأة، يجب أن نتحدث عن الأسباب التي أدت إلى العنف والتي ساعدت على انتشاره في الفترة الأخيرة، ومن باب المثال لا الحصر هناك عدد من الأسباب، أهمها الفقر والتفكك الأسري وضعف دور المدرسة والأمن؛ فقد عشنا في فترة السبعينات إلى التسعينات؛ إذ شهدت هذه الفترة ازدهارا كبيرا لدور المرأة ورفعة لمكانتها بسبب استقرار الحال العام في البلاد من تعليم وأمن واستقرار مادي، ولو بسيطا، ولكن لا بأس به. وأضافت أن ما تمرّ به بلادنا من حرب وانهيار اقتصادي أثر بشكل كبير على الأسرة، ومن هنا، انتشرت ظاهرة العنف ضد المرأة التي أثرت بشكل كبير على المرأة وعلى كل مناحي الحياة، باعتبار المرأة ركيزة أساسية للمجتمع، وعندما تضعف الركيزة وتهان وتعنّف، يضعف دورها في المجتمع، ويظهر هذا جليا في الأبناء والأسرة والمجتمع الخالي من القيم، وأخيرا المرأة هي الأم والزوجة والأخت والأبنة، وعندما تُعنّف وتضعف يضعف نصف المجتمع، لهذا نقول: إن ظاهرة العنف ضد المرأة تؤثر سلبا على المرأة والمجتمع بشكل عام.
ويرى أ. شعيب العفيف مؤسس مسرح الشباب في محافظة عدن أن العنف القائم على النوع الاجتماعي منتشر في مجتمعاتنا العربية وخصوصا في اليمن، لكننا نحتاج إلى تكثيف جهود التوعية وبرامج التثقيف من أجل الإسهام في خفض نسب هذا العنف، ويختلف العنف القائم على النوع الاجتماعي باختلاف المكان، فمثلا في القرى يكثر العنف ضد النساء دون الرجال، وفي المدن يكون العنف على الفئات الضعيفة أو الأشد فقرا، فيجب علينا نشر الوعي من أجل الإسهام في خفض ظاهرة العنف القائم على النحو الاجتماعي.
تقول الناشطة الشبابية أفراح الحميقاني: إن العنف ضد المرأة ظاهرة اجتماعية تعاني منها المجتمعات الإنسانية بشكل عام، وقد ازدادت في الآونة الأخيرة بسبب ضعف الوازع الديني وتنامي ثقافة العنف الموجه ضد المرأة وانتشاره وتعزيز العادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية التي تكرس النظرة الدونية للمرأة وتعمل على إقصاء دورها في المجتمع، والعنف ضد المرأة يؤثر سلبا عليها وعلى المجتمع بشكل عام، فالعنف ضد المرأة في المجتمع يجعل منها فردا ضعيفا، ويشلّ قوة المجتمع لأن المرأة هي نصف المجتمع ومسؤولة عن النصف الآخر، فهي بذلك تمثل المجتمع بأكمله ناهيك عن أن تعرضها للعنف في الأسرة قد يُسهم في إيجاد جيل متفكك أسريا ويمزق النسيج الاجتماعي للمجتمع. لذا، يجب الوقوف ضد هذه الظاهرة والحد منها.
وتذهب هدية الرحمن أحمد الناشطة الشبابية إلى أن للمرأة دورا كبيرا في بناء وتطور المجتمعات وتنشئة أبنائها التنشئة الصحيحة باعتبارها المدرسة ومنبع التربية والأساس القوي لبناء جيل صالح وقوي ومؤثر، ولكن انتشرت في اليمن وللأسف الشديد ظاهرة العنف ضد المرأة بشكل كبير بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وزيادة الفقر والبطالة وانعدام الأمن. ولذلك، أصبحنا نسمع كل يوم قصة مؤلمة بين اغتصاب أو تحرش جنسي أو تتعرض للاختطاف أو سجن أو ضرب من الزوج، والحرمان من التعليم، وتصبح امرأة في الشارع بعد أن كان لها بيت يؤويها هي وأطفالها. وبسبب الحرب، يقتل زوجها ومعيلها الوحيد في جبهات القتال وتصبح مشردة، والمرأة دائما هي الضحية، وأضافت أن كل أشكال العنف تؤثر سلبا على المرأة وعلى المجتمع كله، والمرأة التي تتعرض للعنف لا يمكن أن يكون لها دور إيجابي في بناء المجتمع، وفي حال عنّفت، فسيكون من الطبيعي أن يصبح لها تأثير سلبي في المجتمع بسبب ما تعرضت له من عنف من أسرتها ومجتمعها ومن كانوا سببا في تعنيفها وظلمها، وأخيرا، لا يجب أن يستمر السكوت عما يجري للمرأة، وإلا فإن المجتمع سيتحمل نتيجة ذلك. لهذا، يجب حماية المرأة والدفاع عنها ومعاقبة كل من يقوم بتعنيفها، وعلى وسائل الإعلام أن تؤدي دورها في التوعية من مخاطر وسلبيات العنف.
ومن جانبها تقول الإعلامية سامية العنسي: إن العنف رذيلة مرفوضة في قيم الدين والحياة والإنسانية تجاه الإنسان ذكرا كان أو انثى، ولهذا كانت أول دعوة سماوية لأهل الأرض قوله تعالى (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَق * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَق * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَم * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَم) دعوة للعلم والتفكر والوعي، لكي نحفظ للإنسان حقه في الكرامة وللعمل والتأثير وبناء الحياة والاستخلاف الحياتي في هذه الدنيا كأسمى الواجبات والأدوار الفاعلة التي أوجبها الله على عباده في كثير من نصوصه القرآنية الكريمة، مثل قوله تعالى أيضا (فاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ) وقوله (وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى)، وكثير من الآيات الداعية إلى حفظ موازين الحياة عبر الأدوار الفاعلة للإنسان ذكرا وأنثى. تفاقمت مستويات الجهل والتطرف الفكري في أي مجتمع كان في هذا العالم تتفاقم ظاهرة العنف أكثر فأكثر. ومع الأسف، تظل ظاهرة العنف في مجتمعنا اليمني المأزق الثقافي والاجتماعي والديني والمجتمعي الذي لم نفلح حتى اللحظة في الخروج منه والانفلات من قيود عاداته وتقاليده التي أسرتنا بين مآسيه. وأضافت قائلة: إن هناك كثيرا من الأسر وقعت تحت قيود العادات والجهل في نظرتها للمرأة كائنا إنسانيا، ومثلها مثل أخيها الرجل، فتجاهلت حق البنت في التعليم وحقها في المساواة والإنصاف في مفاهيم التربية والعاطفة والإنسانية أمام الولد في الأسرة الواحدة، فظهرت على سطح الواقع الأسري والاجتماعي ظواهر عنف نفسية وبدنية ومهنية طالت مشاعرها ومكانتها الربانية وحقها الإنساني في هذه الحياة، فالتمييز بين الولد والبنت وتقديم حق تعليم الولد على البنت، والنظرة المنتقصة لها، والاستقواء والفوقية الذكورية تجاهها، كل ذلك جعل المرأة تتربى في ظل حالة من الجهل والانقياد لعادات وتقاليد التربية البيئية في مجتمعنا على حساب قيم التربية الدينية والإنسانية، فكانت ظاهرة الحرمان هي عنوان حياة المرأة من أولها لآخرها في كثيرٍ من جوانب الحياة والعمل والمشاركة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، ظاهرة الزواج المبكر التي اغتُيلت فيها أسمى مشاعر الأمومة والعاطفة والاكتمال الإنساني في بدنها وفكرها ووعيها وثقافتها وحقها الطبيعي في الاختيار واتخاذ القرارات المناسبة والخاصة بها، لتكون أهلاً لتكوين أسرة وأفراد أسوياء قادرين على بناء المجتمع؛ لأن التجارب والأحداث تثبت دائما أن مخرجات الأسرة الجاهلة لا تأتي إلا بمجتمع أكثر جهلا وتخلفا، ثم نأتي إلى ظاهرة التربية الفوقية والتسلط الذكوري عليها، وهو ما جعلها كائنا منقادا فاقدا للثقة مهزوزا في شخصيته، وهي التي حباها الله بالقدرات والملكات العقلية والنفسية أسوةً بأخيها الرجل لكي تقوم بمهامها وواجباتها على أكمل وجه، ولا ننسى أيضا حرمانها عند بعض الأسر من حقها الإلهي في الإرث كأقسى أنواع العنف الأسري والمجتمعي، أما العنف الوظيفي، فيتمثل في تجاهل معادلة الحقوق والواجبات الوظيفية وقوانين العمل الدولية في الإنصاف والارتقاء والاستحقاق القيادي بعيدا عن النظر إلى قدرتها على المنافسة من جهة المؤهلات التعليمية والكفاءات المهنية التي تجعلها نداً لزميلها في سلّم الدرجات الوظيفية، وختاما ندرك يقينا أن الجهل وهيمنة كثير من ثقافة الموروث وعاداته وتقاليده البالية كفيلة باستمرار هذه الظاهرة المؤسفة إذا لم نثُر عليها بالوعي والعلم والتعليم وتكثيف الحملات التنويرية والقيمية من أجل القضاء على هذه الظاهرة وكثير من ظواهر العنف والتطرف ضد مكانة الإنسان رجلا كان أو امرأة.
والختام كان للمحامية والناشطة الحقوقية والسياسية المدير التنفيذي لمؤسسة عدن للحقوق والتنمية تهاني الصراري. تقول: القوانين في اليمن لا تصدر مباشرة، بل لها مرجعيات تنشأ على أساسها وأهمها الشريعة الإسلامية والاتفاقيات الدولية، وكلاهما يدعو إلى المساواة وعدم التمييز، وأيضا المنظومة القانونية في جميع دول العالم هي ميزان العدالة والمنصة المتساوية التي يحتكم إليها الجميع ويرجعون إليها عند حصول نزاع أو المطالبة بحقوق أو التزام بواجبات، ولمعالجة أي مشكلة يستلزم تشخيصها وتحديد أسبابها؛ لتكون المعالجة سريعة وجذرية حتى لا تتكرر الاختلالات وتظهر المشكلات مرة أخرى، ولمعالجة التمييز ضد المرأة اليمنية يجب تعديل هذه القوانين وتصحيحها لأن هذه القوانين بحد ذاتها سبب لاستمرار الانتهاكات ضد المرأة؛ لأنها تبرر لمرتكبي تلك الانتهاكات انتهاكاتهم ولا تحاسبهم. وعدم محاسبة مرتكبي الانتهاكات يؤدي إلى نتيجة عكسية ونشأة ثقافة خاطئة لدى المجتمع، والقوانين في نهاية الأمر من صنع البشر، والبشر يخطئون ويصيبون والقوانين التمييزية ضد المرأة اليمنية واحدة من الأخطاء الجسيمة التي وقع فيها من صاغوا القوانين والتشريعات اليمنية. وأضافت أن ما يمارس اليوم من عنف وتمييز ضد النساء في اليمن مثل حرمان المرأة من الميراث ومن التعليم وختان الإناث، وهذا بحد ذاته جريمة وانتهاك لحقوق الإنسان، وعدم قدرة المرأة على استخراج جواز سفر إلا بموافقة ولي الأمر، وهذا يتعارض مع للقانون الذي ينص على أنه يحق لأي فرد في المجتمع اليمني أن يستخرج جواز سفر، وليس هذا فحسب، بل هناك انتهاكات لحقوق النساء، لكنها مغلفة ومخفية، وذلك في حصول المرأة على المناصب العليا والقيادية وتُمارس الانتهاكات ضدها، وهناك انتهاكات لا يشرعها القانون، ولكن الأعراف والتقاليد هي من تشرّعها، وفي نهاية المطاف كل هذه الانتهاكات تتعارض كليا مع القوانيين والشرائع السماوية والوضعية.
في بلد يرفرف العنف فوق شمسه متأهبا للانقضاض على المرأة نتيجة للقوانيين التي تطمس كل الآراء الإيجابية تجاهها وتستبدلها بآراء سلبية، سترى الوجع في عيون صانعات السلام في اليمن قادرا على الإجابة عن أسئلة كثيرة، “وليس سهلًا أن تحافظ على توازنك فضلًا عن ابتهاجك في بلدك الذي يعيش حربا منذ سنوات حتى حفظت ذاكرة المدن وجدران المنازل عدد النساء اللواتي تعرضن للعنف والتحرش الجنسي وملأت قصصهن صفحات الصحف، فمن يجرؤ على ممارسة الفرح؟ أو يتحدث عنه؟” حتى صانعات الفرح أنفسهن هذه المرة لن يتمكنن من أن يشارك بعضهن بعضا إراداتهن القوية، وفسحة الأمل التي تبدد هواجس حاضرهن قبل أن يدهمهن العنف وهن في طريق عودتهن إلى أماكنهن التي تفوح بالأمل والحياة لتترك ذاكرة مليئة بلحظات مشرقة بديلة للذاكرة المهترئة التي تركتها الحرب التي جنت على المرأة اليمنية كما لم تجنِ على أحد.