معاناة عارضات الأزياء في اليمن: بين آثار الحرب ونظرة المجتمع
في ظل الحرب المستمرة في اليمن، تجد العديد من النساء أنفسهن في مواجهة تحديات غير مسبوقة، خاصة في مجال الأزياء. رغم ما كان يشهده هذا القطاع من ازدهار في الماضي، أصبحت عارضات الأزياء في اليمن يعانين من صعوبات كبيرة في ظل الظروف الراهنة. تقول هالة (اسم مستعار)، وهي عارضة أزياء من العاصمة صنعاء: “لقد كان حلمي أن أكون جزءًا من صناعة الأزياء اليمنية، لكن الآن لا أستطيع حتى التفكير في ذلك بسبب الوضع الأمني والاجتماعي الذي نعيشه”. هذه الكلمات تلخص واقع العديد من عارضات الأزياء في اليمن، اللواتي يواجهن تحديات مزدوجة: تأثيرات الحرب التي تعصف بالبلاد، ونظرة المجتمع التي لا تزال تنظر إلى عملهن على أنه غير مقبول.
الحرب وتدمير قطاع الأزياء
من أكبر التحديات التي تواجهها عارضات الأزياء في اليمن اليوم هو الدمار الذي لحق بصناعة الأزياء بسبب الحرب. تقول سلمى (23 عامًا)، وهي عارضة أزياء من عدن: “كانت هناك عروض أزياء وفعاليات ثقافية تجمعنا في الماضي، لكن الحرب دمرت كل شيء. لم تعد هناك شركات أزياء أو صالونات تجميل توفر فرصًا لنا”. الحرب أثرت بشكل كبير على الاقتصاد اليمني، مما أدى إلى تراجع الاستثمارات في صناعة الأزياء وأدى إلى إغلاق العديد من الشركات المحلية التي كانت توفر فرص عمل للنساء في هذا المجال. هذا الوضع جعل من الصعب على العارضات العثور على فرص عمل، بالإضافة إلى أن المعاناة اليومية من الحرب زادت من تدهور حياتهن المهنية.
حادثة اعتقال انتصار الحمادي: تصعيد القمع الاجتماعي
في سياق القمع الاجتماعي المتزايد، كانت حادثة اعتقال عارضة الأزياء انتصار الحمادي في عام 2021 واحدة من أبرز الأمثلة على القيود التي تواجهها النساء العاملات في مجال الأزياء في اليمن. تم اعتقال انتصار الحمادي من قبل السلطات الحوثية بتهم “التحريض على الفسق والفجور”، بسبب ظهورها في فيديوهات وصور تم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي. وكانت الحمادي قد لاقت دعمًا واسعًا من المتابعين الذين عبروا عن تضامنهم معها، معتبرين أن اعتقالها جاء بسبب تعبيرها عن رأيها وإصرارها على أن تكون جزءًا من صناعة الأزياء، وهو ما يتعارض مع الخطاب الاجتماعي المحافظ السائد. تعكس هذه الحادثة البيئة القمعية التي تعيشها النساء في اليمن، حيث يتم استخدام النظام القانوني كأداة لتقييد حرياتهن وتقويض أي مظهر من مظاهر التمرد الاجتماعي.
نظرة المجتمع وقيوده الثقافية
إلى جانب الحرب، تواجه عارضات الأزياء في اليمن نظرة المجتمع المحافظة التي تقيد حرية النساء في اختيار مهنتهن. تقول مريم (19 عامًا)، وهي عارضة أزياء من محافظة الحديدة: “في كثير من الأحيان، يتم النظر إلى العارضات على أنهن غير محترمات أو أنهن يقدمن صورة سلبية عن المرأة اليمنية. العادات والتقاليد تقيدنا وتمنعنا من ممارسة مهنتنا بحرية”. هذه النظرة الاجتماعية لا تقتصر على العارضات فقط، بل تطال النساء بشكل عام اللواتي يقتحمن مجالات تُعتبر تقليديًا بعيدة عن أدوارهن المحددة اجتماعيًا. رغم أن بعض النساء حاولن تحدي هذه القيود، إلا أن ضغوط المجتمع والعائلة غالبًا ما تكون أكبر من طموحاتهن.
التحديات الاقتصادية: كيف تؤثر الأزمة على العارضات؟
تعتبر التحديات الاقتصادية أحد الأسباب الرئيسية التي تحول دون تمكين العارضات في اليمن من الاستمرار في مهنتهن. تقول فاطمة (21 عامًا)، عارضة أزياء من تعز: “من الصعب جدًا الحصول على دخل ثابت من العروض في ظل الأوضاع الحالية. أحيانًا نضطر للعمل في مجالات أخرى للحصول على دخل، لكن طموحاتنا في مجال الأزياء تظل موجودة”. تتزايد صعوبة الحياة في اليمن بشكل عام، مما يجعل من الصعب على العديد من العارضات تلبية احتياجاتهن اليومية، فضلًا عن الاستمرار في عملهن الذي يحتاج إلى استثمار في وقت ومجهود.
تأثير الحرب على التكوين المهني للعارضات
الحرب في اليمن جعلت من الصعب على النساء الاستفادة من الدورات التدريبية أو الوصول إلى الخبرات المهنية التي قد تعزز من مهاراتهن كعارضات أزياء. تقول هند (20 عامًا) من صنعاء: “كان لدي حلم في أن أتعلم المزيد عن تقنيات التصوير وفن عرض الأزياء، لكن الأوضاع الأمنية في المدينة تجعل من المستحيل الوصول إلى هذه الفرص”. التعليم والتدريب أصبحا رفاهية لا يستطيع العديد من النساء الوصول إليها في ظل الأزمات المستمرة.
دور المنظمات في دعم العارضات اليمنيات
على الرغم من هذه التحديات، تظهر بعض المبادرات المجتمعية التي تسعى إلى دعم عارضات الأزياء في اليمن. تقول ريم سعيد، ناشطة في مجال حقوق المرأة: “نحن نسعى لتوفير منصات للنساء اللواتي يرغبن في تطوير مهاراتهن في مجال الأزياء من خلال ورش عمل ودورات تدريبية عبر الإنترنت. لكننا نواجه صعوبة في تأمين الموارد اللازمة لتوسيع هذه المبادرات”. رغم وجود بعض الجهود من قبل المنظمات الإنسانية لتحسين الوضع، إلا أن التحديات الكبيرة لا تزال قائمة.
آمال العارضات في مستقبل أفضل
رغم كل الصعوبات، لا تزال عارضات الأزياء في اليمن يأملن في التغيير. تقول هالة (23 عامًا): “إذا حصلنا على الدعم، سواء كان من الحكومة أو المنظمات المحلية والدولية، فسنتمكن من استعادة جزء من حلمنا وإعادة بناء صناعة الأزياء في بلادنا”. إذا توفرت الفرص والموارد اللازمة، فإن العديد من العارضات اليمنيات يطمحن إلى أن يُصَحّح مفاهيم المجتمع حول هذا المجال ويصبح بمقدورهن أن يُقدمن رسالة جديدة عن المرأة اليمنية.
تواجه عارضات الأزياء في اليمن العديد من التحديات التي تمتد من آثار الحرب المدمرة إلى النظرة المجتمعية التقليدية، وصولاً إلى الصعوبات الاقتصادية التي تعيق استمرارهن في هذا المجال. حادثة اعتقال انتصار الحمادي هي واحدة من أبرز الأمثلة على التضييق الاجتماعي الذي يواجهه النساء اللواتي يرفضن الانصياع للقيود المفروضة عليهن. ولكن رغم هذه الصعوبات، يظل الأمل قائمًا في أن تتغير الظروف، سواء من خلال المبادرات المجتمعية أو دعم المنظمات الإنسانية، بحيث تتمكن العارضات اليمنيات من استعادة حلمهن وإعادة بناء صناعة الأزياء في اليمن.