مواد غرفة أخبار الجندر

19
نوفمبر

فتيات الصم والبكم | إقصاء مجتمعي واستثناء من الفرص

 ميديا ساك

تُواجه الفتيات اليمنيات ذوات الاحتياجات الخاصة تحديات كبيرة في سعيهن للاندماج في المجتمع، وذلك نتيجة للعديد من العوامل الثقافية، الاجتماعية، والنفسية التي تُعيق مشاركتهن الكاملة في الحياة اليومية. في مجتمع يتسم بتقاليد صارمة وأحكام اجتماعية، تجد الفتيات ذوات الاحتياجات الخاصة أنفسهن في وضع صعب، حيث يواجهن العزلة والتمييز في مجالات عديدة من حياتهن.

التمييز الاجتماعي: نظرة المجتمع

منذ ولادتهن، تبدأ معاناة الفتيات ذوات الاحتياجات الخاصة في اليمن من النظرة المجتمعية السلبية التي تحيط بهن. تقول فاطمة، 24 عامًا، وهي فتاة يمنية تعيش في صنعاء: “منذ أن كنت طفلة، كنت أسمع دائمًا تعليقات ساخرة أو مليئة بالشفقة تجاه حالتي. لم أكن أستطيع اللعب مع صديقاتي، وكان دائماً يُنظر إليّ على أنني شخص غير طبيعي.” هذا التمييز يبدأ في مرحلة الطفولة ويستمر طوال الحياة، حيث تُعتبر الفتيات ذوات الاحتياجات الخاصة عبئًا على أسرهن والمجتمع بشكل عام، ما يزيد من شعورهن بالعزلة والرفض.

التحديات النفسية: القلق والإحباط

تُؤثر النظرة السلبية للمجتمع بشكل كبير على الصحة النفسية للفتيات ذوات الاحتياجات الخاصة في اليمن. تقول مروة، 18 عامًا، وهي فتاة تعاني من صعوبة في السمع في تعز: “أشعر بالكثير من الإحباط والغربة في كل مكان أذهب إليه. عندما أحاول التحدث أو التواصل مع الآخرين، يصعب عليّ أن أجد من يفهمني أو يهتم بي. هذا يسبب لي شعورًا بالعزلة، ويجعلني أعتقد أنني لست جزءًا من المجتمع.” تضيف مروة أن العزلة الاجتماعية تُزيد من شعورها بالتهميش، حيث تُعتبر الفتيات ذوات الاحتياجات الخاصة غير قادرات على الانخراط في الأنشطة الاجتماعية أو التعليمية التي توفرها الحياة اليومية.

العوائق التعليمية: تحديات في الوصول إلى التعليم

إحدى أبرز المعوقات التي تواجهها الفتيات ذوات الاحتياجات الخاصة في اليمن هي التحديات التي يواجهنها في الوصول إلى التعليم. في كثير من الأحيان، تُعتبر الفتيات ذوات الاحتياجات الخاصة في المناطق الريفية والقبلية غير قادرات على الاستفادة من الفرص التعليمية، سواء في المدارس الحكومية أو الخاصة. تقول سارة، 22 عامًا، وهي فتاة من محافظة الحديدة: “لم أتمكن من إتمام دراستي في المدرسة، لأن المدارس هنا لا توفر خدمات مخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة. كنت أفتقد إلى معلمين متدربين أو بيئة تعليمية مناسبة.”

رغم أن بعض المدارس قد تقدم بعض الخدمات التعليمية للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، فإن الفتيات يواجهن صعوبة في الوصول إليها، وذلك بسبب الظروف الاقتصادية، والفقر، وضعف الوعي الاجتماعي في بعض المناطق. وقد تتفاقم هذه المشكلة في المناطق الريفية حيث تكون المدارس غير مجهزة لاستقبال الفتيات ذوات الاحتياجات الخاصة.

الدعم الأسري: بين الرغبة والضغط الاجتماعي

في بعض الأحيان، تُعاني الفتيات ذوات الاحتياجات الخاصة من قلة الدعم من أسرهن بسبب الضغط الاجتماعي. تقول زهراء، 30 عامًا، وهي فتاة تعيش في شبوة: “عائلتي كانت دائمًا تحاول دعم مشاريعي وأحلامي، لكن المجتمع كان يعارضها بشدة. كان الجميع يتوقع أنني لا أستطيع النجاح في أي شيء لأنني من ذوي الاحتياجات الخاصة.” تشير زهراء إلى أن الدعم الأسري في بعض الحالات يكون محدودًا بسبب ضغط المجتمع، الذي يفرض قيودًا صارمة على دور الفتاة في الأسرة والمجتمع.

الحاجة إلى تغيير الثقافة المجتمعية

فيما يتعلق بالدور الاجتماعي للفتيات ذوات الاحتياجات الخاصة، يُعتبر المجتمع اليمني بحاجة إلى تغيير ثقافي يساهم في تكريس مفهوم الشمولية والقبول. تقول الناشطة الاجتماعية مريم سعيد: “نظرة المجتمع السلبية تجاه الفتيات ذوات الاحتياجات الخاصة قد تمنعهن من تحقيق إمكاناتهن. يجب أن يتغير هذا المفهوم من خلال حملات توعية مستمرة حول أهمية حقوق هذه الفتيات في التعليم، العمل، والمشاركة الاجتماعية.”

التغيير يبدأ من التعليم: دور المؤسسات التعليمية

تُعدّ المؤسسات التعليمية من الأماكن الأساسية التي يمكن أن تساعد الفتيات ذوات الاحتياجات الخاصة على الاندماج في المجتمع. من خلال توفير التعليم المناسب والمرافق الخاصة، يمكن للفتيات أن يكتسبن المهارات اللازمة لمواجهة تحديات الحياة والمشاركة بشكل فعال في المجتمع. تقول فاطمة من عدن: “عندما حصلت على الفرصة لدراسة الفن في معهد خاص للفتيات ذوات الاحتياجات الخاصة، شعرت أنني جزء من مجتمع. كانت بيئة التعلم أكثر فهمًا لاحتياجاتنا واحتوتنا بدلاً من أن تُهمشنا.” هذا النموذج يثبت أنه إذا توفرت الفرص، يمكن للفتيات ذوات الاحتياجات الخاصة أن يحققن النجاح ويسهمن بشكل إيجابي في مجتمعهن.

دور الإعلام والمجتمع المدني في رفع الوعي

يجب أن يكون للإعلام والمنظمات غير الحكومية دور كبير في تغيير المفاهيم السائدة حول الفتيات ذوات الاحتياجات الخاصة في اليمن. من خلال تسليط الضوء على قصص النجاح للفتيات من ذوي الاحتياجات الخاصة، يمكن تحفيز المجتمع على قبولهن ودعمهن. يقول الصحفي أحمد علي: “الإعلام لديه القدرة على تغيير الفكر المجتمعي من خلال نشر قصص الفتيات اللواتي تحدين الصعاب وحققن النجاح رغم التحديات. هذا التغيير سيساهم في رفع مستوى الوعي لدى المجتمع وأسر الفتيات.”

المستقبل: أمل في التغيير والشمولية

على الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجهها الفتيات ذوات الاحتياجات الخاصة في اليمن، هناك أمل في التغيير. من خلال رفع مستوى الوعي الاجتماعي، وتوفير التعليم والدعم النفسي، يمكن للمجتمع أن يخلق بيئة أكثر شمولية ومساواة. تقول مروة: “إذا حصلت على فرصة حقيقية للدراسة والعمل، يمكنني تحقيق الكثير. أنا لست عاجزة، أنا فقط أحتاج إلى من يصدق في قدراتي.”

خاتمة: نحو مجتمع أكثر شمولية

في الختام، إن معاناة الفتيات اليمنيات ذوات الاحتياجات الخاصة من الاندماج في المجتمع هي قضية حيوية تتطلب اهتمامًا عاجلاً. التغيير لا يبدأ فقط من خلال تعديل السياسات الحكومية، بل من خلال تغيير مفاهيم المجتمع ورفع الوعي حول حقوق الفتيات ذوات الاحتياجات الخاصة. المجتمع اليمني، بما في ذلك أسر الفتيات، يجب أن يعمل على تعزيز فرص الاندماج والمساواة للفتيات ذوات الاحتياجات الخاصة، لتمكينهن من عيش حياة كريمة ومشاركة فعالة في المجتمع.

اشترك

اشترك في قائمتنا البريدية