استخراج الملح | وسيلة وحيدة أمام الجدات لإعانة أسرهن في ميفع
تعيش النساء في منطقة ميفع غرب حضرموت في جنوب اليمن حياة مليئة بالتحديات الاقتصادية والاجتماعية، حيث تساهم العديد منهن في العمل الشاق لاستخراج الملح من البحر لمساعدة أسرهن على مواجهة الظروف المعيشية الصعبة. تعتبر هذه الوظيفة واحدة من أصعب الأعمال التي قد تقوم بها النساء في المنطقة، إذ تتطلب مجهودًا بدنيًا كبيرًا وتعرضهن لمخاطر صحية جسيمة. ومع ذلك، تبذل هؤلاء النساء جهودًا مضاعفة لإعانة أزواجهن المقعدين أو المرضى الذين لا يستطيعون العمل، مما يضعهن في مواجهة مع الحياة بشكل يومي.
معاناة النساء في استخراج الملح: قصة “أم علي”
تقول “أم علي”، وهي إحدى النساء اللواتي يعملن في استخراج الملح من البحر في منطقة ميفع، إن العمل في هذا المجال هو الخيار الوحيد أمامها لتأمين قوت يومها وعائلتها. “زوجي مريض ولا يستطيع العمل، ولذلك قررت أن أعمل في استخراج الملح من البحر. إنها مهمة شاقة، لكنني لا أملك خيارًا آخر.” تعمل أم علي في جو حار وملحي حيث تقضي ساعات طويلة في جمع الملح من المياه المالحة تحت أشعة الشمس الحارقة. إضافة إلى التعب الجسدي، تعاني النساء العاملات في هذا المجال من مشقة التعامل مع المواد الكيميائية التي قد تؤثر على صحة الجلد والجهاز التنفسي.
ضغوط الحياة اليومية
النساء في ميفع لا يعانين فقط من صعوبة العمل، بل يواجهن أيضًا تحديات اقتصادية متزايدة. فالحرب التي تمر بها اليمن جعلت الوضع الاقتصادي في المنطقة أكثر صعوبة، مع ندرة الوظائف والفرص الاقتصادية. يقول “أبو علي”، وهو أحد الرجال المقعدين في المنطقة: “زوجتي هي من تعتني بي وتعمل لأجلنا، لا أستطيع أن أفعل شيئًا بسبب إعاقتي، لذلك هي التي تتحمل مسؤولية إعالة الأسرة.” هذا الوضع يضع عبئًا كبيرًا على النساء، حيث يجب عليهن التوفيق بين العمل الشاق في البحر والاعتناء بأسرهن.
العمل في بيئة صحية غير ملائمة
يعتبر العمل في استخراج الملح من البحر أمرًا غير مناسب للنساء صحياً، خصوصًا في الظروف المناخية القاسية التي تسود المنطقة. يمكن أن يؤدي التعرض المستمر للملح والماء المالحة إلى مشاكل صحية تتراوح من تهيج الجلد إلى مشاكل في الجهاز التنفسي. تقول “فاطمة”، إحدى النساء العاملات في ميفع: “نعمل لساعات طويلة تحت الشمس الحارقة ونتعرض للملح بشكل مستمر. هذا يؤثر على بشرتنا وصحتنا، لكن لا خيار أمامنا.”
كما أن معظم النساء العاملات في استخراج الملح لا يملكن المعدات أو الحماية اللازمة للعمل، مما يزيد من المخاطر الصحية التي يتعرضن لها. فغياب وسائل الحماية الشخصية مثل القفازات أو الكمامات يجعلهن عرضة للأمراض الجلدية والتنفسية.
معاناة نفسية وتحديات اجتماعية
بجانب الجهد البدني، تتعرض العديد من النساء في منطقة ميفع لضغوط نفسية واجتماعية بسبب عملهن في هذا المجال. فالكثير من المجتمع اليمني يعتبر أن عمل المرأة في مثل هذه الأعمال غير مناسب اجتماعيًا، مما يعرضهن للانتقاد والنبذ. تقول “هناء” وهي أم لثلاثة أطفال وزوجها مريض: “أشعر بالحزن عندما أرى الناس ينظرون إليّ بشكل مختلف لأنني أعمل في استخراج الملح، لكنني مضطرة لذلك لإعالة أسرتي.”
إضافة إلى ذلك، تواجه النساء صعوبة في التوفيق بين العمل والحياة الأسرية، حيث يتطلب منهن العمل في البحر الكثير من الوقت والجهد، بينما يحتجن أيضًا للقيام بمسؤولياتهن في المنزل كالعناية بالأطفال والطبخ والتنظيف. هذا التحدي يجعل النساء في ميفع يعشن حياة مليئة بالضغوط المتعددة.
النساء في منطقة ميفع غرب حضرموت يعانين من ظروف حياتية قاسية تجعل عملهن في استخراج الملح من البحر خيارًا صعبًا ولكنه ضروري من أجل إعانة أسرهن. ورغم ما يواجههن من صعوبات صحية وجسدية ونفسية، يظلّ أملهن الوحيد في تحسين ظروفهن الاقتصادية هو العمل في هذا المجال، رغم المخاطر التي ينطوي عليها. إنه من الضروري أن يتم تسليط الضوء على هذه المعاناة وتحقيق دعم أكبر لهن، سواء على مستوى المجتمع أو من خلال المؤسسات الحكومية والمنظمات الإنسانية، لتحسين أوضاعهن وتوفير فرص عمل أكثر أمانًا وصحة.