المدونة

ميديا ساك

تأملات حول دور الشعر والغناء في مناصرة قضايا المرأة اليمنية

 15 مايو 2024

لطالما كانت المرأة اليمنية تعاني القهر المجتمعي على مدى أزمنة مديدة، ولعل من أبرز ما تعرضت له المرأة اليمنية خلال القرن الماضي، ما يعرف بحادثة الدودحية، وهي قصة تدور بين شاب وشابة أحبَّا بعضهما في نهايات ثلاثينيات القرن العشرين في إحدى قرى وادي بنا الخصيب وسط اليمن. الفتاة حرمت من الزواج من ابن عمها، مع رغبة كل منهما في الزواج من الآخر، فقادهما العشق إلى العلاقة المحرمة شرعا. ومع أن الحاكم، في ذلك الوقت، قد عزرهما وشهر بهما، إلا أن العار لحق بعائلة الفتاة التي قادتها الحمية إلى  قتل الفتاة. أطلقت أغنية شعبية تتغنى بهذه الحادثة، وحملت الأغنية اسم عائلة الفتاة ” الدودحية”، ويحكى أن العائلة من كانت الطبقة الميسورة. وظلت الأغاني ” الدودحيات” تظهر طيلة فترة الأربعينيات، وحملت معاني رمزية تنتقص من الطبقات العليا في المجتمع.

 

يقول الأستاذ البردوني في كتاب (فنون الأدب الشعبي في اليمن): “انتشرت حكاية الدودحية بوجهها الرسمي ووجهها الاجتماعي معاً، فلم يكن من المعهود أن تطال العقوبات الإمامية البيوت العالية، وفي آخر الثلاثينات امتدت إلى بنت (الدودحي) وابن عمها، فأمر قاضي محكمة (الشّعِر) بالتعزير على الشابة والشاب، فدارت الجموع بهما مرددين عبارات التنديد (الدرداح) في لهجة الشعب، فزاد حكم التعزير انتشار الحادثة في جميع أصقاع البلاد وأخذت الأغنيات تتمحور (الدودحية) وحدها كبطلة قصة مثيرة، ثم امتدت إلى دودحيات في أكثر من بيت، كما تخبرنا الأغنيات:

 

         يا دودحـية ويــاغصـن القنـــا        قددردحـوا بش عــلى وادي بـنـــــــا

                                      أمـــان يـــا نازل الـــوادي أمـــــــان

وقد أخذت هذه الحكاية طريقها إلى مجالس الناس و أشعارهم الشعبية، وجدت كذلك طريقها نحو كتب الأدب اليمني. فقد جسدت في مسرحية، من إخراج محمد الرخم، في العام 2013 أتت تحت عنوان ” مهر الدودحية“. وفي تلك الفترة، كان القاضي عبد الرحمن الإرياني قاضيا ذا حكمةٍ ونفوذ في عموم اليمن، وهو يعلم أنه لن يستطيع تغيير ذائقة عموم الشعب بالقوة. فما كان منه إلا أن تعامل مع الأمر بحكمة بالغة، وطلب من الشاعر مطهر الإرياني أن ينسج قصيدة جديدة على نفس الوزن والقافية، ولكن بكلمات مختلفة، رجاء أن تُنسي هذه الكلمات الجديدة ما استقر في أذهان الناس من القصيدة التشهيرية الأصلية، فكتب قصيدة “خطر غصن القنا، وارد على الماء نزل وادي بنا”. 

وتعتبر أغنية “خطر غصن القنا” من الأغاني الشعبية الخالدة في الذاكرة الجمعية اليمنية، وقد قاما الشاعر اليمني المشهور مطهر الإرياني، بتغيير كلماتها مع الاحتفاظ بالوزن والقافية. وقد غناها لأول مرة الفنان اليمني علي بن علي الآنسي في سبعينيات القرن الماضي، ثم أصبحت موروثا شعبيا يحرص على ترداده معظم الفنانين العرب من الشباب والمخضرمين، كما أفردت لها قناة الجزيرة الوثائقية حلقة خاصة لها من سلسلة “حكاية أغنية” التي قامت بإنتاجها.

 

وما قام به الأستاذان مطهر الإرياني، وعلي الآنسي، إنما يدل في مضمونه على دور الشعر والغناء في تعزيز مكانة المرأة ومناصرة قضاياها المجتمعية، وهذه القيمة العظمى للثقافة، وكذلك ينبغي أن تكون.

 

اشترك

اشترك في قائمتنا البريدية